الناصريّون في ذكرى ثورتهم: التجديد ولو في الكلام

ثائر غندور
عمامة رجل دين مشارك في ندوة يوم أمس (مروان طحطح)عمامة رجل دين مشارك في ندوة يوم أمس (مروان طحطح)التقى الناصريّون يوم أمس في مركز توفيق طبّارة لإحياء ذكرى ثورة 23 تموز. قالوا كلاماً جميلاً في جمال عبد الناصر، وطرحوا أفكاراً للنقاش، من دون أن يكون هناك أفق لهذا النقاش.
أمس، اجتمع رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد ورئيس حركة الشعب نجاح واكيم في ندوة، بدعوة من محمد قليلات. كان يُفترض أن يكون رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد ثالثهما، لكن ظروفاً طارئة منعته من الحضور.
في الشكل، لم يكن الحضور على مستوى الذكرى؛ إذ كانوا مستعجلين في الخروج من القاعة الصغيرة.
فالحضور كان منقسماً إلى جزءين: من عاصر أمجاد الناصريّة وما زال يعيش على ذكرى الماضي محاولاً استرجاعه، وبعض الشباب من منظمة شباب الاتحاد.
أمّا في المضمون، فطالب مراد بمراجعة نقديّة للتجربة الناصريّة في سبيل تطوير هذه التجربة واستلهام العبر منها. هو رأى أن هناك خيارين: الأوّل يقوم على القول إن المشروع القومي لجمال عبد الناصر، شأنه شأن مشروع محمد علي، استجابة صحيحة في عصرها لمطالب الثوابت في الوطن العربي، وإنه قد يكون قابلاً للتكرار في مصادفة تاريخيّة يصعب التحكّم فيها. والثاني هو القول إن المشروع القومي لعبد الناصر له شأن آخر، وهو أنه قابل للاستمرار. وهنا تُصبح أمامنا ضرورة أنه قابل للنقد أي للتجديد.
بدوره، قال نجاح واكيم إن الدول العربيّة دول مصطنعة، أقامها الاستعمار لخدمة مصالحه، وربط بين هذه الدول وإعلان وعد بلفور.
بالرغم من هذا الكلام، فإن الرجلين يقولان إن هذه الندوة مجرّد ندوة. أي لا دور مستقبلياً لها في إطلاق تجمّع لقوى ناصريّة تعمل في سبيل استعادة موقعها على الخريطة السياسيّة اللبنانيّة، وإعادة نبض العروبة إلى الشارع.
لكن واكيم تحدّث عن ضرورة قيام جبهة من نوع آخر. جبهة تسعى لإعادة بلورة حركة تحرّر من جديد (وأعاد تحديد مفهوم الناصريّة بكل من يؤمن بحركات التحرّر ويكون جزءاً من حركة التحرّر العربيّة)، في سبيل إنقاذ البلد مما يُرسم له من مستقبل أسود. هو حدّد المسؤوليّة على من تقع: جميع القوى العابرة للطوائف. ورأى أن على هذه القوى مهمّة الخروج من شرنقتها وانعزالها أو التحاقها بهذه الطائفة أو تلك في سبيل جمع بعض فتاتها. وحدّد العنوان الأساسي لهذه الجبهة: الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، أي تبني المقاومة إلى النهاية، والرفض المطلق للسلام مع إسرائيل، «حتى لو كان لبنان آخر دولة توقّع هذا السلام».
النائب البيروتي السابق، الذي دخل البرلمان في عام 1972 على حصان الناصريّة، ذهب بعيداً في كلامه، واتهم فريق 14 آذار «بالخيانة» بطريقة غير مباشرة، مؤكّداً أن من المعيب حصول هذا الفريق على مقعد نيابي واحد. وفي هذا الإطار، قال واكيم إن المعركة الأساسية هي في تغيير وجه الصراع، «لأنه طائفي، وإذا بقي كذلك فإن الفائز الأكيد هو الخونة، ونحن سنخسر وطننا».
أمّا مراد، فقدّم مجموعة من الأسئلة أمام من حضر من ناصريين:
■ كيف يُمكن حشد الجماهير وراء مشروع ناصري إذا لم يكن هذا المشروع قادراً على إعادة طرح نفسه في ظروف متغيّرة، لأنه لا يستطيع طرح نفسه إلا بتجديدها، ولا يستطيع تجديدها إلا من خلال تقويمها؟
■ كيف يُمكن الوصول إلى الجماهير في مواقعها، وهي لم تعد تتجمّع في المصانع والمزارع، لكنها أمام شاشات التلفزيون، التي تملكها، بدورها، السلطة؟
■ كيف يُمكن الوصول إلى السلطة ديموقراطياً والسلطة القائمة تملك من أدوات الردع التكنولوجي ما هو أخطر من كل ما نعرفه من أدوات التنظيم؟
■ كيف يُمكن تجميع المدخّرات من أجل التنمية في العصر المالي الذي يكتسح العالم؟
■ كيف يُمكن اقتحام عوالم التنمية من جديد في ظلّ سيطرة الشركات المتعدّدة الجنسيّة والعابرة للقارات والمنظمات الاقتصاديّة الدوليّة؟
■ كيف يُمكن تجميع طاقات الأمة على إرادة واحدة في ظلّ أوضاع تكرّست فيها القطرية بفعل عوامل اقتصاديّة واجتماعيّة وفكريّة؟
لم يُقدّم مراد أجوبة لهذه الأسئلة، ولا بدا أن أحداً من الحضور يريد الإجابة أو النقاش، إذ غادر الجميع القاعة لحظة انتهاء الكلمة الأخيرة. لكن الوزير السابق، طرح نقاطاً عدّة من أجل إعادة الروح إلى المشروع الناصري: المراجعة النقديّة الأصليّة لتجربة ثورة تموز، وتحليل ما طرأ على البناء الاجتماعي المصري والعربي من تحوّلات، كذلك على النظام العالمي، وفتح باب الاجتهاد لابتكار السياسات والآليّات المناسبة للتعامل مع مشكلات الحاضر وتحدّيات المستقبل. كذلك طرح مراد التمسّك بالديموقراطيّة في وجه الاستبداد والوحدة العربيّة في مواجهة التجزئة، التنمية المستقلّة في مواجهة التخلّف والعدالة الاجتماعيّة في مواجهة الظلم.
أمس، جلس الناصريّون، ليتحدثوا عن ذكرى ثورة ألهمتهم. لكن، لم يُناقش أحدٌ منهم بجديّة في كيفيّة توحيد ذاتهم كخطوة أولى. بين الحضور، من كان يتحدّث عن جبهة موسّعة للأقليّة النيابيّة، عن أمانة عامّة تشبه تلك الموجودة عند فريق 14 آذار. ربما لاحظ المنظمون، وربما لم يلاحظوا، أن الشباب الموجود في القاعة لم يسعَ للحظة إلى طرح سؤال واحد على المحاضرين. لا في ما قالوه، ولا في ما فعلوه ولا في ما ينوون فعله.