تقرير التنمية الإنسانية لعام 2009: تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية

في السرايا الكبيرة أمس، كان المكتب الاقليمي للدول العربية في برنامج الامم المتحدة الإنمائي UNDP يطلق تقرير التنمية الانسانية العربية الخامس لعام 2009، تحت عنوان تحديات أمن الانسان في العالم العربي. ماذا في التقرير الذي يقع في 270 صفحة؟
جاء في الورقة الموزعة التي توجزه «إنّ أمن الإنسان شرط ضروري لتحقيق التنمية البشرية، وإنعدام وجوده في البلدان العربية يزعزع خيارات الناس الذين يعيشون فيها. ولا يُختصر مفهوم أمن الإنسان بمسألة البقاء على قيد الحياة وحسب، بل يشمل أيضًا الحاجات الأساسية مثل الحصول على المياه النظيفة والمسائل المتعلّقة بنوعية الحياة. وغالباً ما تهدّد أمن الإنسان في البلدان العربية مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير العادلة، كما يهدّده التنافس على السلطة والموارد بين فئاتٍ اجتماعية منقسمة وفي بعض الحالات، يكون مصدر التهديد هو أثر التدخّل العسكري الخارجي. ويستند الإطار الفكري لهذا التقرير إلى تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 1994 الذي حدّد سبعة تحديات مترابطة لأمن الإنسان، واعتبر أنّه لا يمكن تحقيق أمن الانسان الا من خلال تحقيق هذه التحديات:
تعزيز حكم القانون ضمانًا للحقوق الأساسية والحريات والفرص لكل الناس، وحسمًا للنزاعات القائمة على السلطة والموارد التي تُسبِّب عدم الاستقرار في المنطقة. هناك حظرٌ كاملٌ على تشكيل الأحزاب السياسية في ستة بلدان عربية، بينما تجعل القيود المفروضة على النشاط السياسي والمنظّمات المدنية هذا الحظر حقيقة على أرض الواقع في البلدان العربية الأخرى. أمّا التدابير التي تتخّذ بحجة حماية الأمن القومي، كإعلان حالة الطوارئ على سبيل المثال، فتمهّد السبيل أمام تعليق الحقوق الأساسية، وإعفاء الحكّام من القيود الدستورية، ومنح أجهزة الأمن سلطات واسعة. وفي حين يركّز بعض المحلّلين على موضوع إختلاف الهويّة كمصدر من مصادر تهديد أمن الإنسان في البلدان العربية، يرى واضعو هذا التقرير أنّ التنوّع السكّاني في هذه البلدان يتطلّب من الدولة إدارةً حكيمةً لهذا التنوّع في إطار المفهوم الأوسع للمواطنة الكاملة.
حماية البيئة من خلال تدعيم المؤسسات المعنية بها، ووضع القوانين البيئية وتنفيذها، وإدخال القضايا البيئيّة في التخطيط الإنمائي، ورفع مستوى الوعي البيئيّ عبر تثقيف الشباب.
المحافظة على حقوق المرأة عبر تغيير القوانين والممارسات التي ترسّخ التمييز ضدّها. ويشير التقرير إلى أنّ فرص النساء في الحصول على العدالة في البلدان العربية منخفضة ومحدودة، وكذلك إمكان حصولهنّ على التعويض حين يَسقطن ضحيّةً للعنف. وفي مناطق النزاع المسلّح يتزايد انعدام الأمن بالنسبة إلى المرأة تزايدًا حادًا.
معالجة البنية الضعيفة للاقتصاد العربي المعتمد على النفط، والتوجّه نحو اقتصادٍ أكثر تنوّعًا مبني على المعرفة وقادر على توليد ما يكفي من فرص العمل. وبالنظر إلى الوتيرة الحالية للنمو السكّاني، يتوجّب على البلدان العربية أن تولّد خمسين مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020 من أجل إستيعاب الحجم المتوقّع للقوّة العاملة.
مجابهة الفقر وإنهاء الجوع اللذين ينتشران ويمتدّان على الرغم من وفرة الموارد المالية في المنطقة العربية ككلّ. ويقدّر أنّ واحدًا من كل خمسة أشخاص في المنطقة العربية يعيش تحت خط الفقر المعترف به دوليًّا، المتمثّل بدولارين أميركيين في اليوم. أمّا نسبة الذين يعيشون على أكثر من ذلك بقليل ولا يستطيعون تحمّل تكاليف الحاجات الأساسية، فيفوق هذه النسبة بأشواط. ومن ثمّ، يصحّ القول إنّ حوالى خمسي سكّان المنطقة العربية يعيشون في ظلّ الفقر. وتواجه قطاعاتٌ واسعة من سكّان بلدان الدخل المنخفض حرمانًا كبيرًا من أبسط الحاجات مثل عدم الحصول كفايةً على المياه الصالحة للشرب وإزدياد حالات نقص الوزن بين الأطفال رفع مستوى الصحة العامّة من خلال توسيع إمكانية الحصول على الرعاية الصحية بكلفة معقولة ونوعيّة جيّدة، مع التركيز على الطبّ الوقائي، ومواجهة الممارسات السائدة المؤذية لصحّة المرأة، وإطلاق حملات عامّة تثقيفية لشرح مرض نقص المناعة المكتسب/الإيدز، على أن تكون هذه الحملات واعيةً لحساسية الموضوع وأهمّيته، مع الحرص على رفع مستوى الفحوص المتعلقة بالمرض وكذلك مستوى المعالجة.
إنهاء الاحتلال والنزاع المسلَّح والتدخل العسكري الخارجي وهي حالات تحمل إلى المجتمعات المعنيّة آلامًا إنسانية، وتقضي على عقود من النمو الاقتصادي، وتزعزع التقدّم المتواضع الذي تمّ تحقيقه على صعيد الإصلاح السياسي، وذلك من خلال تعزيز قوى التطرّف واضعاف أصوات الاعتدال. أكثر من 17 مليون إنسان أُجبروا على مغاردة مواطنهم في المنطقة العربية تحت ضغط النزاع المسلّح، ما يجعل عدد اللاجئين والمهجّرين داخليًّا في المنطقة العربية الأعلى بين مناطق العالم».
يضيف الموجز: اضطلع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدورين أساسيين في هذه العملية هما دور الجهة المنظمة التي توفر الظروف الملائمة لتعظيم نتائج عملية الإبداع الفكري الجماعي المستقل ودور مدير العملية الذي يعمل على ضمان الأخذ بكلّ وجهات النظر في عين الاعتبار، وتجسيد توافق الآراء الواسع بين المشاركين في النسخة النهائية للتقرير، وإيصال نتائج هذا التقرير والرسائل التي يتضمّنها إلى جمهور أوسع بهدف إثراء الحوار حول أولويات التنمية البشرية لحوالي 330 مليون نسمة تعيش في البلدان العربية. ولا يعبّر هذا التقرير عن موقف برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي.»
حفل الاطلاق وكلمة الصلح
الحضور يبدأ بالرئيس فؤاد السنيورة، وبوزراء ونواب لبنانيين إضافة إلى نواب وأكاديميين عرب موجودين في لبنان للمناسبة نفسها، وبعضهم ممن أعد التقرير، الذي «عمل عليه فريق من الباحثين والكتاب، بينما كان التعويل في النصح والتوجيه الاستراتيجيين المتعلقين بالموضوع الاساسي على مجلس استشاري» برئاسة أمة العليم السوسوة (مساعدة الامين العام للأمم المتحدة والمديرة الاقليمية للمكتب الاقليمي للدول العربية) والديبلوماسي العربي العريق الأخضر الإبراهيمي، والوزيرة بهية الحريري والوزير السابق جورج قرم وغيرهم.
هذه المناسبة على رسميتها التي تفترض كلمات مجاملة في الغالب، كانت فرصة لإطلاق النقاش حول التقرير نفسه. فبعد كلمة عضو المجلس الاستشاري، مدير معهد دراسات عالم الجنوب في الجامعة الاميركية في واشنطن الدكتور كلوفيس مقصود، ألقى كلمة الأمانة العامة في الجامعة العربية السفير عبد الرحمن الصلح الامين العام المساعد، فإذا به يقسو في نقد التقرير.
الصلح لاحظ «ان تقرير التنمية البشرية العربي لعام 2009، قد لجأ الى التعميم والقفز الى النتائج من دون تحليل معمق، وإطلاق الأحكام من دون سند، وعلى سبيل المثال، ما أشار اليه أن غالبية البلدان العربية لم تنجح في تحقيق العدالة في توزيع الثروة واحترام التنوع الثقافي، وهذا موقف لم يأخذ بالحقائق الموضوعية».
وتابع: «ومن بين القضايا التي أثارت استغرابنا ان التقرير أشار الى افتقار البلدان العربية الى سياسات تنموية تتركز على الإنسان، في حين ان تقرير التنمية البشرية الدولي أشار الى ان سبع دول عربية قد حققت مستوى مرتفعا في التنمية البشرية، كما ان إحدى عشر دولة عربية حققت مستوى متوسطا من هذه التنمية، وبقياس ذلك بأداء التنمية البشرية في العالم، فإن هذا يعد أداء هاما مقارنة ببقية أقاليم الدول النامية. ما يدل على ان مستوى أداء الدول العربية على صعيد التنمية البشرية مرض على نحو عام، وإن كان لا يرقى الى آمالنا حيث نطمح لأن تكون مجموع الدول العربية من بين الدول التي تصل الى مستوى مرتفع في التنمية البشرية».
وقال: «وهنا يؤسفنا القول ان التقرير قد حفل بالقفز فوق النتائج والواقع حيث أشار الى انتشار ظاهرة الإتجار بالبشر في البلدان العربية، وان الدولة في بعض الأحيان تصبح مصدرا للأشخاص الذين يتم الإتجار بهم، وكل الأوصاف الأخرى التي تبعت هذه الأحكام القاسية بلا دليل أو برهان، وكذلك ما يتعلق باستقلالية القضاء في البلدان العربية كلها، وعدم التزام الدساتير العربية المعايير الدولية، وغيرها من التعميمات، هو أمر مخل بقواعد المنهج العلمي في التحليل، وهو أمر نربأ بأن يكون مدرجا في تقرير التنمية البشرية».
وقال: ما أشار اليه التقرير من ان حركة التحرر الوطني الفلسطيني تجند الأطفال، متطوعين أو مرغمين، لأداء ادوار إسنادية في كفاحها ضد الإحتلال، هو أمر لا تعوزه الدقة العلمية فحسب، بل يتنافى مع الذوق العام، ولم يسبق لأي تقرير صدر عن الأمم المتحدة او سواها ان ألصق هذه الفرية بحركة التحرر الوطني الفلسطيني. ومن عيوب هذا التقرير ان هذه الإشارة السيئة كانت السابقة الأولى في التقارير الدولية التي تجرأت على هذا القول بأن حركة التحرر الوطني الفلسطيني جندت أطفالا، وهذا انتهاك صارخ لكرامة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية».
وتابع: «انني إذ أعبر هنا عن عميق الإستياء الى تلك الإشارة التي تفتقر الى أي سند كان، والتي تتضمن الإيحاء بأن اعتداءات الإحتلال الإسرائيلي الصارخة على الأطفال الفلسطينيين، هي بسبب كونهم طرفا في المقاومة الوطنية المسلحة ضد الإحتلال، في حين انه لم تتم الإشارة الى ما ورد في عدد من التقارير عن عدم تردد الجنود الإسرائيليين في استخدام مواطنين فلسطينيين دروعاً بشرية خلال الحرب على غزة، كما نجد التقرير يقلل بل يتجاهل تأثير الإحتلال الإسرائيلي على مسيرة التنمية في المنطقة العربية وعلى الأمن البشري لسكانها، ناهيك بتقليل التقرير من أهمية تأثير التدخلات الأجنبية في الأمن البشري لمواطني العراق والسودان والصومال».
وختم: «أرجو أن يتسع صدر الجميع لرأينا، وبكل صراحة ان التقرير لم يتردد في إعادة رصد السلبيات التي نعرفها جميعها، وأغفل وضع البدائل التي تسهم في تقدم دول المنطقة، كما أغفل وبشكل كبير الإشارة الى الإنجازات والنقاط المضيئة المختلفة التي تدعو بالتأكيد الى نظرة أكثر تفاؤلا لمستقبل التنمية في الدول العربية.
بداية كهذه لا تبدو مزعجة للمكتب الاقليمي في برنامج الامم المتحدة الذي أطلق التقرير ومعه النقاش الذي بدأ أمس في بيروت في جلسة الافتتاح ثم بحوار مفتوح بعدها، ويستمر اليوم في فندق متروبوليتان على أن يتنقل في عواصم عربية عدة طوال عام.
موقف الامانة العامة للجامعة العربية سبقه موقف آخر صدر قبل اسبوع، حيث أعلن الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والخبير الرئيسي في الفريق المركزي لإعداد التقرير انسحابه من التقرير اعتراضا على بعض التغييرات التى أحدثها موظفو البرنامج الانمائي، مشيرا إلى أن هذه التغييرات كانت جوهرية وغيرت من البنية الفكرية له».
في المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد للإعلان عن انسحابه، قال «إن من أهم هذه التغييرات هى إسقاط الفصل المتعلق بصراعات الهوية إضافة إلى التقليل من أهمية الاحتلال الأجنبى على أمن الإنسان العربى، وأن التغيير الذى أدخل على التقرير مس الفصول التى لها طابع سياسى وترك بقية الفصول.
وعن الأجزاء التى «تم إسقاطها من التقرير، قال السيد أن الجزء المتعلق بالهوية والذى كان يحمل عنوان «القنبلة الموقوتة: صراع الهوية» تم إسقاطه وإضافة صفحتين منه فقط إلى الجزء المتعلق بالدولة، وكان هذا الجزء يشير إلى أن هذه مشكلة يجب التنبه لها لأن ضحاياها فى الوطن العربى أكثر من ضحايا الحروب الخارجية».
أمة العليم السوسوة، قالت في الندوة التي نظمتها مجلة وجهات نظر المصرية بعد حفل الاطلاق، إنها لا تضع نفسها ابدا في «موضع التعقيب على أستاذ كبير مثل السيد، الذي اعتبره استاذي»، لكن التعديلات كانت بعدما لم يأخذ السيد بملاحظات المجلس الاستشاري الذي اجتمع معه من اجل هذا السبب. السوسوة قالت ان التقرير ليس خاصا يعده باحث واحد يعبر عنه. وهذا التقرير لم ولن يحصل على الإجماع لا في داخل المجلس الاستشاري ولا حتى ضمن كتاب الاوراق الرئيسية، بسبب من طبيعة الموضوع المتشابك. الامم المتحدة لا تكون ملزمة بما ورد فيه لحق المشاركين بالتعبير عن رأيهم، لكن لا يعني ذلك ان يتفرد كاتب او شخص داخل فريق التقرير برأيه».
التقرير الذي استمر الاعداد له سنتين، يحتاج إلى نقاش يستمر لنصف هذه المدة على الاقل. هذا ما يعد به البرنامج الانمائي للامم المتحدة. والاطلاق يشي بأن التقرير سيفتح نقاشاً واسعاً لم يغب عن ندوة وجهات نظر بالامس، وفي الغالب، فإن النقاش مستمر.