أرشيف الأخبار

غراسيا بيطار
يرى كل إعلامي الموضوعية من منظاره، مع ذلك، ينتهي النقاش في ما بين الزملاء غالباً عندما يؤكدون أن الموضوعية هي كأخواتها الحقيقة والواقعية والمهنية ضرورية في تغطية النزاعات.
يعود النقاش إلى الصفر أيضاً، عندما يتبين أن حرص المراسل الصحافي على تقديم مادة إعلامية مهنية تفسح المجال أمام جميع الأطراف بالتعبير عن آرائهم لا يقع ضمن أولويات مالكي وسائل الإعلام، وهو ما أكدته ورشة العمل التي نظمتها الأمم المتحدة UNDP حول «التغطية الإعلامية الموضوعية العابرة لحواجز المجتمع»، ضمن سلسلة ورشات بدأت بعد أحداث 7 أيار في لبنان.
هل هناك صراع أبدي بين الصحافة «على الأرض» بما تراه وتلمسه، و«سلّم القيم» لدى مالكي وسائل الإعلام، أم أن الإعلاميين في لبنان «مفروزون» لدرجة أن كلاً منهم يعمل في المؤسسة التي تتوافق وتوجهاته، لا بل تراه أحياناً يزايد على إدارته في التعمية عن الحقيقة؟. وماذا عن تلك الفئة الصحافية التي لا تجد نفسها في أي من وسائل الإعلام الموجودة؟ وما نفع ما تعرضه ورش العمل من «سلوى الموضوعية» في ظل «استحالة جنهم التطبيق»؟ لعلّ هذه الفئة هي التي تحافظ على «شعرة معاوية» داخل وسائل الإعلام فيعود لها الفضل في إضفاء «نكهة» من المهنية على صورة المؤسسة الإعلامية وإن كانت، أي هذه الفئة، هي التي تدفع الثمن في حظوظها في «التقدم المهني».
في هذا الجو دارت النقاشات في ورشة العمل الأممية في فندق «كروان بلازا» في الحمراء في «طبعة ثانية» ان صح التعبير. فالورشة الأولى تعود إلى تشرين الثاني 2008، وكانت من تنظيم الفريق نفسه بإدارة لنا غندور من منظمة الأمم المتحدة. في الورشة الأولى كان «نجم» الحدث اللقاء «على الأرض» بين الزميلتين دنيز رحمة فخري وندى رعد من قناتي «المؤسسة اللبنانية للإرسال» و«المنار»، إذ أعدتا تقريرا مشتركا عن المصالحة بعد 7 أيار بعد تجوالهما سويا في الطريق الجديدة والضاحية. يعلق المدرب والمدير الإقليمي لوكالة «فرانس برس» في قبرص جوزف بدوي: «لقد تمكنا من تجاوز بعض العثرات، ففي الورشة الأولى كانت أحداث أيار لا تزال طازجة وكانت الأجواء بالتالي غير مريحة حتى بين الاعلاميين». تكررت التجربة الناجحة بفضل الردود العفوية المرحبة مع زملاء آخرين في الورشة الثانية، وليس مستبعدا أن تعاد الكرة في ورش العمل المستقبلية. ولكن هل تبقى الكتابة الموضوعية داخل أروقة ورش العمل وحدها؟ في الورشة الثانية وضعت «القاعدة الذهبية»، الموضوعية، على الطاولة. وبدأ التشريح. يرى رئيس مؤسسة «أسوشيتد برس» روبرت هالاوي، وهو أيضاً أحد المدربين، أن «المشكلة في لبنان لا تكمن في الصحافيين بقدر ما هي كامنة لدى مالكي وسائل الإعلام»، معتبرا أن «الموضوعية هي إحدى القيم العالمية التي يمكن تطبيقها في لبنان كما في فرنسا وأفريقيا وأميركا الجنوبية». تجتمع آراء بقية المدربين على «تأثير الاصطفافات السياسية على الكتابة الصحافية في لبنان». يقول مدير قسم المراسلين في قناة «العربية» نجيب بن شريف رداً على سؤال حول مدى تطبيق القناة لقاعدة الموضوعية: «نحن لا ندعي أننا نملك الحقيقة وإنما شعارنا هو الأقرب الى الحقيقة». بينما يؤكد سعد حتّار رئيس دائرة التحقيقات الاستقصائية في شبكة «أريج» الأردنية: «هناك سيطرة ناعمة من السلطة ورأس المال على الصحافة ما يضيق هامش موضوعية الصحافي وحياده».
استمع المشاركون في الورشة الى تنويهات عدة بالإعلام اللبناني من قبل المدربين. نظروا الى تجاربهم الخاصة فكانت المفارقة. فـ«الاصطدام يحصل عندما تحمل معك «الشعار» الى ساحة التطبيق وأول ضربة تأتي من المؤسسة نفسها» كما يقول الزميل داود إبراهيم الذي صرف من جريدة «الشرق الأوسط» وبتنا «نعايره» ممازحين وآسفين في آن «صحافي على القطعة». علما أن داود يقول إنه يعتمد الموضوعية في تغطيته «لا بل أرى أنها القاعدة الأصلح في بلد كلبنان كثير الاصطفافات حيث يجب أن نقدم الخبر لا الرأي». حالة إعلامية أخرى مثلها الزميل عباس صبّاغ في جريدة «النهار»: «لا أرى أنه يمكنني أن أكون موضوعيا في موضوع يتعلق بشأن وطني مثلا أو في تغطية مجزرة تستهدف أبرياء ولذلك أؤثر استخدام عبارة الصدقية وليس الموضوعية». الزميلة جينا عفيش من فضائية «المؤسسة اللبنانية للإرسال» لم تكن تفسح المجال في تقاريرها لطرفي النزاع «وهذا ما نبهتني له ورشة العمل، بالإضافة الى تجربة التآلف بين الزملاء ما قد يتيح التوصل الى صيغة موضوعية موحدة للتغطية». أما يأس الزميل قاسم دغمان من تلفزيون «أن بي أن» من «استحالة التغيير» في بداية الورشة فتبدد في ختامها «بعدما اقتنعت أنه يمكننا أن نصارع داخل مؤسساتنا الإعلامية للتقدم شيئا فشيئا نحو التفلت من سيطرة النزاعات السياسية على عملنا الصحافي». وعلى «تفاؤل» دغمان يمكن التأسيس للانتقال من الصفر الى الواحد في تحدي الصحافي اليومي لثلاثة أقانيم من أجل «نظافة» العمل الصحافي: السياسة، المال وزارعو الفتن وخصوصا إذا كانوا متمولين.