غسان سعود
تعيش القوى السياسية في عكار، منذ إعلان نتائج الانتخابات، ترقّباً لتجديد يفترض أن يطالها. ويشرح أحد نوّاب تيار المستقبل أن النائب سعد الحريري حين قرّر تغيير معظم نوّاب 2005 كان يعلم أن ذلك سيتواكب عاجلاً أو آجلاً بتغيير إدارة تيار المستقبل في عكار التي مثّلت جزءاً من فريق عمل النواب السابقين. وقد بادر نواب المستقبل إلى وضع خطة عمل سريعة بدأت بسلسلة اجتماعات مع مجلس الإنماء والإعمار ووزير العدل ووزير الأشغال العامة والنقل لإطلاق دورة سريعة للأشغال في عكار تثبت للناخبين أن أصواتهم لم تذهب هباءً، وأنّ الوعود التي أطلقت لم ينتهِ تاريخها في 8 حزيران.
في المقابل، يبدو خصوم تيار المستقبل من وجيه البعريني إلى محمّد يحيى، مروراً بسعود اليوسف، أمام تحديات كثيرة، لأن صناديق 7 حزيران أثبتت أن الخدمات التي قدّموها خلال السنوات الأربع الماضية لم تثنِ الناخبين عن الاقتراع للائحة المستقبل «زي ما هيي».
أمّا التيّار الوطني الحر، فيعيش ما يشبه «الكوما» على صعيد النشاطات والحركة السياسيّة وتقديم الخدمات، رغم إثبات الانتخابات أن مؤيّدي النائب ميشال عون لدى الناخبين المسيحيّين ما زالوا يتجاوزون سبعين في المئة في معظم البلدات. وبحسب ناشطين في الحزب السوري القومي الاجتماعي، فإن هذه النسبة كان يمكنها أن ترتفع لو نشطت ماكينة التيار كما يفترض، ولو كانت أكثر مرونة في التعاون مع الحلفاء.
وفي جميع الأحوال، أظهرت الانتخابات أن أمام التيار الوطني الحر تحدّيين أساسيين:
1ـــــ إفساح المجال أمام بعض التغيير في الإدارة الحالية، لعلّ التيار يكتسب بعض الديناميكية.
2ـــــ إيجاد مرشحين جدد يفوزون بثقة الناخبين ويبنون علاقة مع الناس تتجاوز التعزية بالأحزان والتهنئة بالأفراح. وثمّة في «الوطني الحر» من يدعو العماد عون إلى حسم قراره من الآن بشأن الشخصيات السياسية للتيار في عكار، فيبدأ بإبرازها لتأخذ حقها.
ثمّة في «المستقبل» من يراهن على النائب نضال طعمة ليكرر تجربة النائب فريد مكاري في الكورة
تبدو مشكلة مؤسسة فارس مختلفة. فهي أمام تحدّي حسم ما تريده، وهي حتى الآن متردّدة بين العمل الإنمائي الذي تواظب عليه، معلنة عدم ارتباطه بأية أهداف سياسية، والعمل السياسي الذي تطل عليه موسمياً. وجدير بالذكر أنّ المؤسسة تستطيع الاستفادة من الفراغ التنظيمي، سواء عند تيار المستقبل أو عند التيار الوطني الحر لتبني لنفسها حيثية مؤسساتية عابرة للمناطق والأحزاب، ليصبح كلامها عن امتلاكها كتلة ناخبة مؤثرة في عكار أكثر جديّة. لكن ذلك يتطلب أسلوب عمل جديداً يبدأ بوضع الخطوط العريضة لخطاب سياسي يحدّد بوضوح خيارات عصام فارس السياسية.
ليس منافسو المستقبل وحدهم من يواجه المأزق، بل أيضاً حلفاؤه كالقوات والكتائب. فثمّة سؤال صريح يتردّد في أكثر من بلدة عكارية: لماذا نذهب إلى السمسار ما دمنا نستطيع الشرب من النبع؟ وقد افتتح تيار المستقبل عدة مكاتب تنظيمية وخدماتية جديدة في البلدات التي يوجد فيها حلفاؤه، ليبني قاعدة مباشرة له في تلك البلدات. وفي هذا الإطار، يمكن النائب نضال طعمة أن يؤدّي دور الحصان الرابح بالنسبة إلى تيار المستقبل، إن أحسن التيار الاستفادة منه. وثمّة في «المستقبل» من يراهن على طعمة ليكرر تجربة فريد مكاري في الكورة، نظراً إلى علاقات طعمة الاجتماعية والتربوية، إضافة إلى قربه من المرجعيات الدينية الأرثوذكسيّة.
ويمكن المستقبل أن يستغلّ ضعف حلفائه في المنطقة، إذ أظهرت القوات اللبنانية في الانتخابات الأخيرة أنها لا تزال لاعباً ثانوياً جداً في عكار، فلم تسجّل أرقاماً مرتفعة إلا في بلدتي منيارة وبقرزلا، وقد اعتمدت ماكينتها على ناشطين ممّن نزحوا من قراهم إلى المدن.
مهما يكن الأمر، تبدو عكار مرتاحة من السياسة هذه الأيام: أحد النواب الجدد يقضي نهاية الأسبوع على النهر وسط أسرته، يُسأل عن الحكومة فيُعدد أنواع البطيخ؛ خالد ضاهر يعتذر عن عدم استقبال الصحافيين لأنه «بعيد، كتير بعيد»؛ وجيه البعريني يعزّي نفسه بالأصوات التي حصدها أخيراً ويرسل بعض الشبان ليرفعوا لافتة باسم أبناء القيطع تقول «ليس المهم من كان معك قبل الانتخابات وإنما من بقي معك بعد الانتخابات». وفي هذه الأثناء، تنعم عكار بأربع ساعات من التيار الكهربائي يومياً. أمّا الماء، فبات يأتي بالصهاريج... فقط لمن يملك ثمنه.
هل يختار الرئيس وزيراً من المنطقة؟
أبقت الانتخابات في عكار الأمور على حالها. لم تفاجئ النتائج أحداً، ولم يتعب أحد نفسه في تحليل ما حصل لأخذ العبر أو المعالجة. وعشية البحث في تأليف الحكومة، تنأى الدائرة الأكبر في لبنان من حيث عدد الناخبين، بنفسها عن السباق منتظرةً ما إذا كان الطاقم السياسيّ سيراعيها. المعنيّون بالحكومة عكارياً ثلاثة لا رابع لهم حتى الآن:
■ نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق عصام فارس يزداد استقراراً في الخارج. لا المعارضة تسعى جدياً لاستقطابه، ولا الأكثرية ستسهّل عودة من يفترض أن يقاسمها النفوذ، فيما يستمرّ رئيس الجمهورية بعلاقته الشخصية مع آل المر، ما يجعله يتردّد كثيراً قبل مدّ يده إلى زعامة أرثوذكسية بحجم فارس. ويذكر هنا أن فارس لم يبادر إلى مراجعة القوى السياسية بعد الانتخابات بشأن موقعه في الحكومة المقبلة، رغم مواظبته على التواصل مع كل الأفرقاء من دون استثناء، وتسليم المعارضة عموماً بقدرته على القيام بدور إيجابي عشية دخول المنطقة بمصالحات عدة.
¶ الوزير السابق يعقوب الصراف يتابع نشاطه السياسي واتصالاته بالقوى الأساسية في المعارضة من دون اقتراب من الأسماء المطروحة للوزارة، علماً بأنّ إعطاء أحد المقاعد الأرثوذكسية الثلاثة في الحكومة إلى تكتل التغيير والإصلاح يفرض على العماد ميشال عون التفكير جدياً بالصراف، نظراً إلى ندرة الأسماء الأرثوذكسية البارزة وذات الخبرة الوزارية في «الوطني الحر»، وخصوصاً أن خسارة اللواء عصام أبو جمرة قبالة نايلة تويني تصعّب عودته نائباً لرئيس مجلس الوزراء إلى الحكومة المنتظرة. والجدير ذكره أن الصراف ازداد بعد الانتخابات اهتماماً بمتابعة تفاصيل يوميات العكاريين، وهو يكاد في المرحلة الأخيرة لا يترك المنطقة إلا نادراً، وخصوصاً أنه اكتشف أن ثمة فراغاً سياسياً كبيراً يمكن ملؤه بقليل من الجهد.
■ النائب الأسبق طلال المرعبي يواظب على زيارة قريطم، لكن لا أحد يكشف ماذا يدور في تلك الاجتماعات. وتؤكد مصادر تيار المستقبل في عكار أنه من غير الوارد توزير المرعبي ضمن حصة الأكثرية، فيما يتحدث بعض أنصاره في عكار عن إمكان أن يكون المرعبي من حصّة رئيس الجمهورية، لأنه أحد الوجوه السنّية القليلة التي تقف على مسافة واحدة من طرفي الصراع، ويفوز بثقة الفريقين.
أما ممثل عكار في الحكومة الوزير طارق متري، فتؤكد مصادر المستقبل أنها تحترمه كثيراً، لكنه لم يدخل الحكومة بصفته عكارياً، ولم يتصرف يوماً على اعتبار أنه ممثّل لعكار في الحكومة.
سواء مثلت عكار في الحكومة بوزارة إنمائية أو لم يحصل ذلك، يعد نواب عكار بخطة عمل متكاملة تكمل القليل الذي بدأه نواب المستقبل السابقون، وتراكم عليه لتخرج المنطقة من بؤسها. ويقول النائب خالد ضاهر في هذا السياق إن الجهد سيتركز خصوصاً على المشاريع الصغيرة التي تثمر سريعاً، مشيراً إلى وجود عدّة أفكار لإنعاش القطاعين الزراعي والصحي خلال فترة قياسية قبل الانطلاق بمجموعة مشاريع تربوية، معتبراً أن تيار المستقبل عموماًً والنواب الجدد أمام تحدي إثبات أنهم يستحقون الثقة الكبيرة التي أعطيت لهم.