نال الدكتوراه عن دراسة الحيوان المهدد بالانقراض ابي سعيد: الضبع حيوان غير مؤذ ومفيد للبيئة

عاليه ـ هلا أبو سعيد

كثرت الأساطير حول "الضبع" كحيوان خبيث يسحر الإنسان أو "يضبعه" له مفاصل تصدر "طقطقة" أثناء سيره وعيون تضيء ليلاً، ويقتات من لحوم البشر ويهاجم الناس أو المواشي في ايام الشتاء الباردة، وكل ما سبق أضاليل أثبتت الدراسات العلمية أنها مجرد أساطير حاكها الاجداد الذين تغنوا بالرجولة لقتلهم ضبعاً في الغابة في حين أن الضبع حيوان خجول جبان لا يهاجم إلا إذا وجد نفسه في حالة خطر وله فوائد عدة في التوازن الطبيعي البيئي. وأجدادنا كانوا يخافون الضبع لأن حجمه يوازي حجم الكلب الكبير، وهو من شدة خوفه يعمد إلى رفع وبر جلده فيبدو أكبر من حجمه كما يفعل الهر الأهلي فضلاً عن أن صوته ضخم، وجهل الناس لشكله صنع منه حيواناً مفترساً في مخيلة الناس.
والضباع أربعة أنواع ثلاثة منها تعيش في افريقيا وهي (الضبع المنقط الذي يعيش ضمن مجموعات تصطاد الحيوانات ويقتات من صيد الحيوانات الأخرى من فرائس وجيف، والضبع البنيّ الذي يقتات من الحيوانات النافقة واللافقريات والفواكه والفضلات، والضبع الأفغاني ويقتات حصرياً من "القرضة" (اي النمل الأبيض طعامه المفضل).
والضبع المخطط الذي يعيش في أفريقيا وآسيا والموجود في لبنان في معظم المناطق الساحلية والجبلية وسهل البقاع، بدأ وجوده بالإنحسار مع التوسع العمراني ومع ازدياد تعرضه للقتل الأمر الذي جعله مهدداً بالإنقراض.
لطالما سمي الضبع بانه حفار القبور وذلك لأنه يبحث عن العظام، إلا أن هذا لا يعني أنه حيوان خطر، بل حيوان مفيد مهدد بالإنقراض مما يهدد التنوع النباتي والحيواني كونه يلعب دوراً هاماً في التوازن الطبيعي. وفي هذا السياق يوضح المهندس المتخصص في الحياة البرية منير أبي سعيد لـ"المستقبل" أهمية الحفاظ على الضبع الذي يمكن مشاهدته في مركز التعرف على الحياة البرية ""Animal Encounter في رأس الجبل في مدينة عاليه حيث يمكن الإقتراب منه ولمسه دون أن يؤذي.
والضبع المخطط كان عنوان الدراسة العلمية التي أشرف عليها البروفسور نايجيل ليدر ويليامس Nigel Leader-Williams- وهو في المرتبة الأولى عالمياً في مجال دراسة التنوع البيولوجي ـ الأطروحة التي نال أبي سعيد شهادة الدكتورة على أساسها من مركز Durrell Institute of Durrell في جامعة University of Kent, Canterbury في لندن، والتي قدمها بعنوان: Reviled as a grave-robber: the ecology and conservation of striped hyaenas in the human-dominated landscapes of Lebanon ويعني "المحافظة على الضبع المخطط الذي اشتهر بحفار القبور في لبنان ضمن المناطق الآهلة بالسكان" ونال عليها جائزة The Fiona Alexander Prize وهي تمنح لأفضل أبحاث الدكتوراه في مركز Durrell Institute of Durrell في الجامعة في لندن، وهذه الجائزة تمنح حسب نوعية البحث والوقت المستغرق ورأي الدكاترة ومدى التضحية التي يبذلها الطلاب، وهذه الجائزة قدمت "لأفضل بحث علمي لعام 2006".
ويشرح أبي سعيد أن الضبع المخطط يلعب دوراً طبيعياً هاماً في التوازن البيئي ويعتبر علمياً من أصدقاء البيئة والإنسان لأنه يقتات من الحشرات والقوارض والخنازير البرية التي اذا ما تكاثرت تفتك بالمزروعات وتحدث خللاً بالتوازن الإنتاجي، وهو ينظف البيئة من النفايات والحيوانات النافقة ويضع حدا للامراض التي قد تحمل العدوى للإنسان والحيوانات الاخرى، وهو صديق الفلاح أيضاً فالعظام التي تحتوي على كمية كبيرة من مادة الكالسيوم لا تستفيد منها التربة اذا لم تتفكك وتتحلل وهو يفتتها بفكيه القويين ويحللها بمعدته الغنية بالحوامض HCL فتتحول بعد طرحها إلى غذاء يمتصه النبات.
ويعيش الضبع منفرداً في الأحراج الكثيفة أو في المناطق الصخرية حيث تكثر الكهوف، وهو يظهر ليلاً من المغيب إلى الفجر بحثاً عن قوته الذي يعتمد على الجيف والنفايات والفاكهة المتساقطة من الأشجار.
وتنتمي الضباع إلى عائلة خاصة بها Hyanide الأقرب إلى الهررة منها إلى عائلة الكلاب، علماً ان الضباع قد تعيش مدة 25 سنة، ويصل وزن الذكر إلى 55 كلغ وارتفاعه بين 65 و80 سنتم بينما يصل طوله لحوالي المتر وهو يتزاوج على مدار السنة ومدة حمل الانثى هي ثلاثة أشهر ويمكنها أن تلد من واحد إلى اربعة جراء في السنة.
وقصد أبي سعيد من خلال تناوله الضبع في أطروحته تصحيح مفاهيم كثيرة مغلوطة عن هذا الحيوان موروثة من مرويات لا تستند إلى الحقيقة العلمية بشيء الأمر الذي يساعد بتخفيف العدائية تجاه هذا الحيوان المفيد مما ينقذه من القتل عمداً من قبل الناس خوفاً منه.
ويضيف أبي سعيد أن معاناة الضبع وصيته الخطر بدأت مع بداية الحرب العالمية الاولى، يوم اضطر الناس للهجرة أو النزوح من المناطق الساحلية إلى الجبال وعكار والسهول للحصول على الطعام، وخلال النزوح كان يموت البعض من الجوع والمرض، ولم يكن لدى الناس القدرة على مواراة موتاهم في التراب وهم في حالة جوع واعياء شديدين، فكان الضبع يأتي ويلتهم الجثث، وكانت النتيجة أن ذاع صيت هذا الحيوان على أنه يأكل الإنسان، بينما لم يقر أحد بأن الضبع حدّ من انتشار الاوبئة في تلك الفترة الصعبة من خلال تنظيف الامكنة المقفرة من الجثث قبل أن تبدأ بالتحلل.
وتأكيداً لدراسته المعمقة التي أجراها على الضبع اللبناني في محيط اقضية كسروان، عاليه، الشوف، عكار وزغرتا ـ بنشعي، استخدم أبي سعيد جهازا لاسلكياً كطوق وضعه على رقاب الضباع لإنجاز الوثائقي الأول في لبنان والشرق الاوسط حول الحيوانات اللبونة حيث تمكن من اقتفاء أثر الضبع، ولاحقه طوال ثلاث سنوات لمعرفة أشياء كثيرة واكتشف منافعه البيئية وعرف ان للضبع قدرة على التعايش مع متغيرات محيطه فيصغر حجم جحره كلما اقترب من المناطق الآهلة المسكونة وغيرها من الأمور التفصيلية في حياته العائلية الخاصة وضمن المجموعة.
ويؤكد أبي سعيد في سياق شرحه عن الضباع وفوائدها أنه لولا وجود بعض الضباع في لبنان لكنّا عرضة لمرض انفلونزا الطيور، إلا أن الضبع كان يقتات على الطيور الموسمية التي كانت تنفق فوق الأراضي اللبنانية دون أن يصاب بالمرض ودون أن نعلم بوجودها.
وفي محاولة منه لإنقاذ هذا الحيوان اللاحم المفيد أطلق أبي سعيد مؤخراً منشورات تختصر دراسة علمية تحت عنوان "أنقذوا الضبع اللبناني" يوزعها في حلقات تثقيفية توعوية عبر لقاءات يقيمها في مركز التعرف على الحياة البرية في المحمية حيث يجاور الضبع الدبّ وابن آوى الغزلان والنمور وأنواع عدة من الطيور وغيرها من الحيوانات المهددة بالإنقراض، ويقول: إن كنت تريد الضبع بعيداً عن منزلك ضع النفايات في أكياس محكمة وتخلص من الحيوانات النافقة بعيداً عن مسكنك ولا تضع السموم في الحيوانات التي تأكلها الضباع كي لا تقتلها.
ويتمنى ابي سعيد على الجميع أن يعرفوا اهمية الضبع في خدمة التنوع البيولجي والبيئي وأن يساهموا في حماية البيئة من خلال حمايته من الإنقراض.