قد تكون هناك نتيجتان متناقضتان لنقاشات اللجنة المركزيّة في الحزب الشيوعي: نقد لاذع للقيادة والواقع الحزبيين، وتجديد الثقة بالأمين العام للحزب خالد حدادة والمكتب السياسي، لكن استطاعت هذه اللجنة تحديد مكامن الخلل وإن بقسوة
ثائر غندور
في الأمس القريب، أنهت اللجنة المركزيّة في الحزب الشيوعي أسابيع من النقاشات المكثّفة لبحث الأسباب التي أدّت إلى النتائج الهزيلة التي جمعها مرشّحو الحزب في الدوائر الخمس التي خاضوا الانتخابات فيها. طالت النقاشات لساعات وساعات، لكن، بحسب ما يقول العديد من أعضاء اللجنة المركزيّة، فإن الشيوعيّين بدأوا للمرّة الأولى منذ سنوات السلم الأهلي (بعد انتهاء الحرب) بالبحث جدّياً في أسباب تراجعهم الشعبي.
وقد يكون، بحسب أحد «مخضرمي» الحزب، أن أفضل ما جاءت به نتائج مرشّحي الحزب، هو أنها فضحت المستوى المتدني من التأييد الشعبي للحزب، بعدما كان العديد ممن هم في موقع القيادة الحزبيّة يتحدّثون عن تجاوز الأزمة الحزبيّة وعن مئات الشباب الذين ينتسبون دورياً إلى الحزب.
في بعض الأحيان تحدّث الأمين العام للحزب خالد حدادة، في لقاءات علنيّة وأخرى سياسيّة مغلقة، عن الأرقام التي يتوقّعها لمرشحي الحزب. وقد قال له أحد الساسة اللبنانيين الذين التقوه في دمشق، في واحدة من زيارات حدادة لها قبل الانتخابات: قد يكون من الأفضل الانسحاب من دائرة بعبدا، لأن مرشّح الحزب سيحصل على أرقام متواضعة. فما كان من حدادة إلا أن أبلغه أن طارق حرب، المرشّح في بعبدا، لن ينال أقل من 3 آلاف صوت.
من التنظيم إلى السياسة: تعطّّل مستمر
بعد العديد من الجلسات التي امتدت كلّ واحدة منها من الخامسة عصراً إلى التاسعة مساءً (من المرات القليلة التي يُحدّد فيها سقف للاجتماع)، يُمكن الخروج بالخلاصات الآتية التي حدّدها أعضاء اللجنة المركزيّة خلال اجتماعهم:
■ في السياسة:
ظهر بوضوح أن هناك من يقول إن الحزب لم يعرف كيف يُحدّد أولويّاته في المرحلة الماضية، وكان خجولاً في التعبير عن هذه الأولويّات. يُضيف هؤلاء، أنه بسبب التعطّل النقابي للعمّال وعدم بلورة خطاب اقتصادي واجتماعي حقيقي في جميع القضايا، من الخصخصة إلى الزواج المدني الاختياري، التي تُمثّل التمايز الأساسي للحزب عن باقي القوى، دُفعت قيادة الحزب إلى السعي للتمايز الشكلي.
وحدّد بعض الحاضرين للاجتماعات الأمور بوضوح: يرى الحزب أن هناك مشروعاً أميركياً في المنطقة، وهو يضع نفسه في موقع المقاوم لإسرائيل، لكنّه خلق تمايزات شكليّة في السياسة مع القوى التي يُمكنه أن يتقاطع معها، لأنه غير قادر على التمايز في قضاياه الحقيقيّة.
تعطّل آليّات المحاسبة والمساءلة الحزبيّة أدّى إلى قتل النواة الحقيقيّة للهيكليّة الحزبيّة
يُضيف بعض أعضاء اللجنة المركزيّة أن العمل اليساري في لبنان يحتاج إلى الحزب الشيوعي، لكنّ الحزب بدوره يحتاج إلى حاضنة يساريّة وطنيّة أيضاً. وهذ كلام يوافق عليه، ويعمل انطلاقاً منه، عدد من الشخصيّات اليساريّة، التي نشطت في الفترة التي تلت الانتخابات، رغم فشل تجاربهم السابقة. وقد حاولت قيادة الحزب إنشاء اللقاء اليساري التشاوري، بعدما نعت التجمع الوطني للتغيير. وحيث شابت ظروف ولادته الكثير من الأخطاء والتصرفات «العنتريّة»، مات هذا اللقاء، بحسب بعض الشخصيات اليسارية التي شاركت في إطلاقه. من هنا، تُلام القيادة الحزبيّة لأنها لم تستطع توفير هذه الحاضنة التي تُساعد على تحريك «المياه اليساريّة الراكدة».
■ في التنظيم الحزبي:
برز بوضوح خلال النقاشات أن الكادر الشبابي داخل اللجنة المركزيّة يتفق مع غيره من «المخضرمين»، على اعتبار أن المشكلة الأساسيّة هي أن منظّمات الحزب مشلولة منذ انتهاء الحرب الأهليّة. لا برامج خاصة بهذه المنظمات. عدم متابعتها جدّياً من قبل القيادة الحزبية، وتحوّل المنظّمات إلى مجرّد أدوات تُلبي رغبة القيادة الحزبية في المشاركة في لقاءات تنظيميّة دورية والمؤتمرات العامّة، «وقد تقلّصت هذه المشاركة يوماً بعد يوم»، كما يقول أحد قدامى الحزب.
كذلك، حدّد الشيوعيّون مشكلة إضافيّة في ما يتعلّق بعمل المنظمات وقيادات المناطق، وهي أن العلاقة بين المسؤولين المناطقيين والقيادة الحزبيّة تعتمد على العلاقة الشخصيّة والمحسوبيّات. ويؤدي هذا الأمر إلى إبقاء مسؤول لا يعمل أو عزل آخر نشيط، تبعاً للصراعات بين التيّارات الحزبيّة التي عاشها الحزب منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم.
ويرى أعضاء في اللجنة المركزيّة أن تعطّل آليّات المحاسبة والمساءلة الحزبيّة أدّى إلى قتل النواة الحقيقيّة للهيكليّة الحزبيّة. كذلك أدّت إلى الفرديّة في العمل وإلى نشوء مجموعات تتصارع داخل الحزب تحت مبدأ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
ويذكر في هذا الإطار أحد مسؤولي الشيوعي الذين كانوا جزءاً من الحركة الطلابيّة في السبعينيات من القرن الماضي، أن القدرة على «الاختلاف مع ممثّلي اليمين، ثم الاحتكام إلى العمليّة الديموقراطية، ومن بعدها تناول العشاء معاً»، هي حالة غير موجودة في الواقع الشيوعي اليوم. ويرى العديد من أعضاء اللجنة المركزيّة أن الهيئات القياديّة معطّلة، وأن المكتب السياسي يوفّر مجرد الغطاء الشكلي للقرار الذي تتخذه «المجموعة الحاكمة» في ما بينها. وتناول النقاش في اللجنة المركزيّة موضوع ترك العشرات من الكوادر الشبابيّة للحزب بوتيرة شبه دورية منذ أول التسعينيات من القرن الماضي.
■ في الأسباب المباشرة:
لم ينسحب التوافق المبدئي على توصيف الأسباب غير المباشرة للتراجع الحزبي، رغم بعض التباينات داخل اللجنة المركزيّة على بحث الأسباب المباشرة.
فقد رأى بعض من في القيادة الفعليّة للحزب أن المشكلة هي في مرشّحي الحزب (تحديداً سعد الله مزرعاني وفاروق دحروج) وسعوا لاستبدالهم من خلال المؤتمر الحزبي العام الذي عُقد في شباط من هذا العام، مثلما استُبدل الدكتور عطا جبور في الكورة.
ويرى أصحاب هذه النظريّة أن هذين المرشحين استُهلكا، وأن المطلوب تقديم مرشحين شباب.
في المقابل، فإن مزرعاني ودحروج يريان أن عقد المؤتمر العاشر للحزب في شهر شباط أثّر سلباً، إذ كان على المرشحين انتظار نتائج المؤتمر وانتخاب اللجنة المركزيّة ثم الأمين العام والمكتب السياسي، وهو أمر حصل في نهاية شهر آذار، أي قبل أيام قليلة من إقفال باب الترشيحات (8 نيسان)، ما أثّر سلباً على المعركة (رغم أن دحروج أعلن ترشّحه بقرار ذاتي وبحضور الأمين العام للحزب قبل المؤتمر، ولكن بقرار رسمي من الحزب).
ويقول أصحاب هذه النظريّة إن عمليّة التفاوض بدأها حزب الله مع الشيوعي، منذ تشرين الأول من العام الماضي، إذ أبدى رغبة في التعاون مع الشيوعي لأول مرّة منذ عام 1992، كما يقول مطّلعون على هذه المفاوضات. لكن هذه المفاوضات توقفت لأن قرار مشاركة الشيوعي في الانتخابات ترك للمؤتمر العاشر. وتالياً، لم يكن المفاوض الشيوعي يحمل إجابات عن الأسئلة التي طرحت عليه.
يُضيف هؤلاء أن عمليّة التواصل مع الناس بدأت جدياً في شهر نيسان، وهذا أمر أثّر كثيراً. يُمكن القول إن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي بدأت تلامس الجرح الحزبي، وقد تُركت هذه المداخلات في عهدة لجنة صياغة، وتشير بعض المعلومات غير المؤكّدة إلى أن هناك توجّهاً لتخفيف لهجتها. وعند الانتهاء من الصياغة، ستُنشر النقاشات على الجمهور الحزبي وغير الحزبي.
كذلك فإن على الأمين العام والمكتب السياسي، اللذين جُدّدت الثقة بهما في الجلسة الأخيرة للجنة المركزيّة رغم العديد من المطالبات باستقالة بعض الأعضاء، ترجمة الاقتراحات التي قيلت في اللجنة المركزيّة إلى آليّات عمل من أجل إنقاذ الواقع الحزبي.
هناك من يقول في الحزب الشيوعي: نحن نطلب من الناس فرصة أخرى لنثبت أننا ندافع عن مصالحهم، وإذا لم نكن جديين في استثمار هذه الفرصة فسنخسر ما بقي لنا من ثقة.