أرشيف الأخبار

«سنصل إلى المدرسة الآن»... تشير دليلتنا الشابة بإصبعها إلى البناء القرميدي العتيق، المهمل، الذي يسكن مهجرون بعضاً من غرفه. تبدأ شرحها: «في هذا المبنى أسس المعلم بطرس البستاني المدرسة العلمانية الأولى تحت اسم المدرسة الوطنية. كان هدفه جمع الطلاب من كل الطوائف على مبادئ التسامح. وقد أطلقت المدرسة نخباً ثقافية. وقد تولت عائلة البستاني بطرس وابنه سليم وابنته سارة إدارة المدرسة..».
يكمل الباص سيره. يمر أمام بناء عتيق آخر: «هذا قصر بشارة الخوري». وتشرح الدليلة: «كان التاجر والشاعر الشهير بشارة الخوري والمعروف بـ«الأخطل الصغير» يملك القصر. عند مدخل القصر مغارة من الحجارة. الطابق الأول منه تحول اليوم إلى مشغل للنجارة. وما زال محافظاً من الداخل على طرازه ومقتنياته القديمة».
قبل ذلك كنا قد مررنا على عدد من الأبنية العتيقة الأخرى من بينها «قصر حنينة» (استخدم سابقاً كمركز للقنصلية الهولندية ومن ثم الأميركية)، مبنى دار الأيتام الاسلامية (كان مقر إقامة السفير البريطاني حتى بدء الحرب الأهلية)، «قصر مخيش» (شيد عام 1897)، والمنزل الذي سكنه والد الفنانة نهاد حداد (فيروز) وكبرت فيه، وغيرها من المباني.
يجمع بين المنازل العتيقة كلها نقطة مشتركة واحدة: كلها تقع في منطقة زقاق البلاط البيروتية. ورحلة الباص هي للتعريف بالمعالم الأثرية التي أسستها أو سكنتها أو عاشت فيها شخصيات ساهمت في رفع الشأن الثقافي والتعليمي للمنطقة ولبنان.
والرحلة التي شارك فيها إعلاميون وأساتذة جامعات ومدراء مؤسسات ثقافية وتعليمية في زقاق البلاط، إضافة إلى عدد من أبناء المنطقة، كانت جزءاً من إطلاق مشروع «من الأبجدية الفينيقية إلى النهضة: مسيرات ووجوه بارزة»، في إطار «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، ويتمحور حول إعادة اكتشاف منطقة زقاق البلاط من خلال الشخصيات التي سكنت ونشطت في المنطقة، وأدت دوراً أساسياً في تطوير وانتشار النهضة.
غير أن الرحلة اللطيفة في الباص المكيف، كانت لتبدو أجدى، ربما، لو سلكها المتجولون على القدمين، إذ حالت الجولة في الباص دون دخول المشاركين أياً من الأبنية التي تشرح الدليلة تاريخها. واقتصرت على المرور بمحاذاة بعضها، بسبب صعوبة ركن الباصات في الشوارع الضيقة، والحفريات المستمرة المنتشرة في المدينة. فاكتفت بتقديم نظرة خارجية سريعة.
كذلك كان ينبغي التدقيق أكثر في المعلومات المقدمة للمهتمين، في مشروع بهذه الأهمية. فاسم «المدرسة العالمية اللبنانية» الصحيح هو «المدرسة اللبنانية العامة» (ورد الخطأ في الكتيب وفي شرح الدليلة على الأرجح بسبب الترجمة إلى العربية، رغم أن مديرتها ومؤسستها وداد جمبرت كانت حاضرة في حفل الإطلاق). ومنزل عاصم سلام تعود ملكيته إلى عبد الله صوصة، بحسب ما كتب في أسفل الدرج المؤدي إلى المنزل، وليس «عبد الله سوسة» بحسب ما جاء في الكتيب. أما المنزل الأحمر الذي يقع في أول نزلة السرايا الحكومية، الذي أشارت إليه الدليلة فهو ليس بالتأكيد متحف معوض ولا فيللا فرعون كما قالت.
وقد جاء مشروع «من الأبجدية الفينيقية إلى النهضة: مسيرات ووجوه بارزة»، نتيجة توصيات مشروع «أرخميدس» الذي قادته مدينة البندقية وشاركت في تمويله المفوضية الأوروبية في إطار برنامج «ميدباكت». وتضمن تحديد التحديات والرؤى نحو إعادة إحياء المراكز التاريخية في منطقة المتوسط، وتعزيز أمثلة النمو المستدام من خلال ترميم الأحياء القديمة وتجديدها.
وتقسم النشاطات المنوي تنفيذها، والتي تستمر حتى نيسان 2010 على أربعة أنواع هي:
ـ إقامة مسار سياحي وثقافي يهدف إلى إتاحة الفرصة أمام الزائرين لاكتشاف زقاق البلاط وتراثه العمراني الغني. ويقوم المرصد الجامعي للإعمار وإعادة الإعمار في لبنان بتنفيذ هذا المسار. وقد تم اختيار نحو 28 مبنى (بينها قصور عتيقة ومنازل ومعاهد ومدارس ودور عبادة)، تتمتع بمواصفات خاصة هندسية أو تاريخية أو ثقافية، صيغت في كتيب تضمن وصفاً ملخصاً لكل منها وصوراً لها، وذلك بالتعاون مع المعهد الألماني للأبحاث الشرقية. وسيتم تركيب لوحات شرح نقالة أمام كل من المباني المختارة لتشكل مرجعاً للزائرين وترشدهم وتزودهم بالمعلومات.
ـ عقد مؤتمرات في عدد من المباني ذات القيمة التاريخية أو المدنية.
ـ تنظيم وقفات مع الموسيقى التقليدية والدمى المتحركة وقصص الحكواتي طوال المسار.
ـ عرض «الصوت والضوء والصور» الذي يقص تاريخ النهضة وكبار أدباء زقاق البلاط.
وتنظم هذا المشروع جامعة القديس يوسف، الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة ـ جامعة البلمند، مؤسسة «ليبان سينما»، وPromOrient برعاية وزارة الثقافة.
وكان قد سبق الجولة عرض فيلم موجز عن المشروع والمنطقة وكلمات لكل من رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور رينيه شاموسي، مدير المرصد الجامعي للإعمار وإعادة الإعمار في لبنان سيرج يازجي، والمسؤولة عن شعبة السياحة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اليسوعية د. ليليان بركات.