"من اهتدى فأنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فأنما يضلّ عليها" (الأسراء 15)
هناك أكثر من اربعين مليون مسيحي عربي في بلدانهم العربية الأصلية، نصفهم مقيم ونصفهم الآخر مغترب يخدمون القضايا العربية ولهم باع طويل وعلم ومعرفة يسخرونها بكل اخلاص لخدمة قضاياهم العربية كواجب وطني.
ان الاحداث المستنكرة والمذابح اللاانسانية التي تحدث للمسيحيين العراقيين في وطنهم الأم تدعو الى الأسف والاستنكار خصوصاً انها تصدر من مواطن ضد مواطن آخر فقط لأن احدهم لا ينتمي اليه دينياً. هذا أمر مستهجن ومنكر لا يقره الاسلام ولا المسيحية. هاتان الديانتان اللتان تدعوان الى المحبة والتآخي والاحترام حيث يقول القرآن الكريم "لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق". وتعزز المسيحية هذا القول بالنهي عن قتل الانسان لأخيه الانسان اياً تكن الاسباب والدوافع. فهذا أمر محرم ومدان ولم يكن قائماً في العراق إلا بعد الاحتلال البغيض الذي دمر العراق المزدهر والمتآخي.
مأساة المسيحيين العراقيين والاعتداءات التي وقعت عليهم اجرام مستنكر لكنه ليس جديداً، فهناك تقع يومياً مثل هذه الاعتداءات على المسيحيين العرب في اكثر البلدان العربية ونخص منها بالذكر مصر والسودان وفلسطين. اذاً على المسيحيين العرب، اي الاربعين مليون أن يحزموا امرهم داخل اوطانهم الاصلية التي تظلمهم وتعتبرهم مواطنين درجة ثالثة، وان يروجوا لوجودهم ونشاطهم في اوطانهم وفي بلدان اغترابهم، بالعمل على ادانة هذه المعاملة التي لا تتصف لا بالمواطنة ولا بالانسانية ولا بالاسلام ولا بالمسيحية. نعم ارفعوا اصواتكم واصرخوا في وجه الطغاة اينما كانوا والا استمر الظلم والتفرقة واستمر الطغاة في طغيانهم.
ولألقاء الضوء على المأساة والحرمان والظلم الواقع على المسيحيين العرب في العراق وغيره، والمحرومين من حقوقهم بالمواطنة والمساواة مع اندادهم من المسلمين، علماً انهم اهل كتاب وليسوا اهل ذمة. وفي جمهورية مصر العربية يزعم المسيحيون انهم اكثر من ثلاثة عشر مليوناً في بلدهم الأصلي وحوالي عشرة ملايين في الاغتراب بينما تقول الحكومة المصرية ان عدد المسيحيين في مصر لا يتجاوز العشرة ملايين (ولا علاقة لنا بالمغتربين)، ولتأخذ الرواية الحكومية ونقر بأن هناك عشرة ملايين، يعني ذلك حوالي خمسة عشر في المئة من السكان البالغ عددهم سبعين مليوناً (ملاحظة: يرتفع عدد سكان مصر من المسلمين وينخفض عددهم من المسيحيين) حتى هذه الرواية نقبلها والجواب لدى الحكومة المصرية عن عدم مساواتهم على هذا الاساس؟ ومع هذا فحسب النسبة التي تدعيها الدولة المصرية يحق لهؤلاء على الأقل بـ:
- ستة وزراء.
- خمسة وأربعين نائباً.
- عشرين سفيراً.
- خمسين قنصلاً.
- ستة عمداء جامعات.
- وآلاف المدرسين المحرم عليهم التدريس في المدارس الرسمية حتى ولا مدرس واحد,
فهل المؤسسات الحكومية في مصر بلغت اعاقتها لدرجة انها لا تشعر بهذا العار. اذا فالمعاق لا حرج عليه.
- ونلفت الرئاسة المصرية ومجلس الوزراء ومجلس الشعب المصري الى أن ممثلية الامم المتحدة تقدمت بمشروع الى البرلمان العراقي لمنح الاقليات اثني عشر نائباً في البرلمان العراقي منهم ستة نواب للأقلية المسيحية وقد اقر البرلمان العراقي هذا المشروع. فهل تطرح ممثلية الامم المتحدة في جمهورية مصر العربية مثل هذا المشروع على مجلس الشعب في مصر ليقره. فتمنح الدولة المصرية الاثني عشر مليون مصري مسيحي حقهم في خمسة واربعين نائباً وستة وزراء على الأقل، فيرفع هذا الظلم الصارخ المفروض على مسيحيي مصر؟
فأين ذلك من واقع الحال؟ فهل تقول لنا الدولة المصرية التي تزعم المساواة والديموقراطية لماذا حرمان المسيحيين من حقوق المواطنة؟ ناهيك عن تحديد وتقزيم بناء دور العبادة للمسيحيين الذين يقول القرآن الكريم (اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيه في الدنيا وفي الآخرة ويكلم الناس في المهد وكهلاّ ويحيي الموتى ويبعث الحياة ويشفي المعاقين ويعلم الغيب". وعلى رغم كل هذا التقديس يمنع بناء المعابد المسيحية في مصر ليذكر فيها اسم الله واسم هذا الرسول الذي يقدسه القرآن الكريم، بينما يقدم بابا روما ارضاً هبة لبناء اول مسجد في روما.
نسأل المصريين من اهل الحكم، ألم يحن الوقت كي يحصل هؤلاء المواطنون على حقوقهم بينما يؤدون واجباتهم على اكمل وجه؟ ولا حاجة الى ذكر المذابح وحرق الكنائس وغيره مما يعرفه القاصي والدني في مصر والسودان وغيرهما، هذا ظلم مدان ومستنكر، ولكن الى متى تتعامى الدولة المصرية عن كل ذلك قصداً وعمداً وعن سابق تصميم وليس هناك ما يبرر هذا الاجرام، وليس هناك مؤشرات تدل على نية الدولة الرجوع عن هذا الظلم وهذا الخطأ الجسيم.
لماذا لا يعدل قانون الانتخاب، كما هو الحال في دول عدة لديها اقليات، ومنها الجمهورية الاسلامية الايرانية حيث تنتخب الاقليات ممثليها مباشرة ضمن هذه الاقلية تمثيلاً عادلاً؟ والا سيبقى الصوت المصري المسيحي مغيباً ومهمشاً والتجارب عبر عشرات العقود اثبتت التعصب الاعمى حيث لم يحدث ان انتخب مصري مسيحي واحد وان كان بطلاً قومياً او قديساً، بل لا يزال الرئيس المصري يتصدق على الاثني عشر مليون مسيحي مصري بأن يعين لهم (كرماً ومنة) نائباً او نائبين في مجلس الشعب. بدلاً من 45 نائباً. ما هذا الظلم الأسود؟!
وهكذا الحال في السودان، فقد رفضت الحكومات السودانية طيلة نصف قرن الاقرار بأن هناك اقلية مسيحية بحدود الستة ملايين إلا بعد حرب ضروس سقط فيها ملايين الابرياء، بعد هذه المأساة وقع اهل الجنوب المسيحيون السلام مع الدولة بعد حرب دامت عشرين عاماً حتى استطاعوا ان يحصلوا على بعض حقوقهم، وما زالت الحكومة السودانية تعمل جاهدة على حرمان هؤلاء من هذه الحقوق وتحجيمهم واعادتهم اهل ذمة واقل... واذا كنتم لا تصدقون ذلك فأسألوا الزعيم حسن الترابي (الذي تحول من رئيس للحزب الشيوعي) الى داعية اسلامي يدعو الى تحويل المسيحيين هناك الى مسلمين ولو بالقوة. وهو وحزبه يحارب حتى الحقوق البسيطة التي حصل عليها السودانيون المسيحيون وهذا الداعية لا يفقه ان لا اكراه في الدين، ويظهر ان الغباء السياسي في السودان عاد الى الواجهة مما يدفع اهل الجنوب المسيحيين السودانيين الى طلب الانفصال. نعم هذا هو الغباء المستشري. وهنا يحضرنا قول امير الشعراء احمد شوقي:
انما الأرض والفضاء لربي
وملوك الحقيقة الأنبياء
انماء ينكر الديانات قوم
هم بما ينكرونه اشقياء
ولا نريد ان نعرج على غزة وغيرها من المدن الفلسطينية ولا على بني صهيون الذين هجروا من هجروا من المسلمين والمسيحيين، وخاصة المسيحيين. فعام 1948 كان هناك حوالي ربع مليون مسيحي في فلسطين المحتلة (اسرائيل اليوم) فسهل الصهاينة للمسيحيين الفلسطينيين اسباب الهجرة مع اغراءات بمساعدة اميركية ودعم اللوبي الصهيوني الذي اوصى بأن المسيحيين الفلسطينيين هم اشد خطراً من الفلسطينيين المسلمين. لذلك بدلاً من ان يكون الآن في فلسطين المحتلة نحو مليون مسيحي في (اسرائيل) اصبحوا الآن اقل من خمسين الفاً.
هذه بعض مأساة المسيحيين العرب في اوطانهم العربية علماً أن القرآن الكريم قد كرم مريم العذراء بقوله "ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين...").
ويؤكد القرآن الكريم ثوابت ذكرت في التوراة والكتاب المقدس... فلو قرأ المسلمون الكتاب المقدس واستوعبوا الاعجاز في القرآن الكريم لتغيرت نظرتهم وفهمهم للمسيحية التي يظلمونها ويظلمون اهلها الذين هم اخوانهم في الدم والمواطنية والتوحيد.
اذاً بالله عليكم يا امة المسلمين العرب دلونا كيف نستطيع العيش المشترك موحدين مؤمنين الله وبالوطن العربي الكبير، لأنه هذا هو تراثنا وهذه اصالتنا وهذه جذورنا، ولا يستطيع احد إنكارها علينا مهما اوقع من ظلم علينا. فهل يسعى البسطاء من العرب المسلمين الى دفع اخوانهم المسيحيين العرب الى طلب الحكم الذاتي واقامة فيديراليات هنا وهناك وذلك خدمة لاعداء هذه الامة العظيمة لقد كنتم خير امة اخرجت للناس، فماذا حل بكم. وهل يستدرك العرب هذه الحقائق ويعدلوا ويقسطوا فان الله يحب المقسطين.
فأرفعوا الظلم عن المسيحيين العرب في كل مكان في اوطانهم العربية ودعوهم يكونون خير رسل وسفراء لكم في بلدان اغترابهم حيث لهم مكانتهم ودورهم الفاعل في كل المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والصناعية والادبية، وخاصة في الاعلام وغيرها. اذا فالمعضلة والمأساة والظلم الذي يمارس يومياً على المسيحيين العرب في اوطانهم ليس ما يحدث في العراق فحسب، بل ما يحدث يومياً منذ مئة عام واكثر في الوطن العربي. لذلك فان الاربعين مليون، والذين يدركون العدالة والمساواة، مدعوون الى عدم الصمت عن الظلم بحجة المصلحة العامة، فهذه اسطورة تضر ولا تنفع وهي تضليل وتدمير. وعلى الحكومات العربية المعنية ان تعدل قانون الانتخاب ليؤمن تمثيل الاقليات تمثيلاً عادلاً.
وهنا لا بد من ذكر الآية الكريمة:
(ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. أأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (النحل 125). لعل هذه الصرخة وهذه الحقائق تحرك ضمائر أهل الضمائر.
بقلم سليمان هلال الملاوي
( عن رابطة المسيحيين العرب)